شعر سفر مكتوب وطويل (Long written travel poetry) يمزج فيه الشاعر بين الوصف الحسي للطبيعة والمناظر الخلابة، وبين المشاعر الداخلية من شوق وحنين وتأمل، ويعتبر شعر السفر من أقدم وأبرز أنواع الشعر في التراث الأدبي العربي، فقد نجح المتنبي وأبي تمام وأبي فراس الحمداني في رسم صور حية ومشاهد جذابة للطبيعة والمناظر التي واجهوها في أسفارهم، وكيف عبروا عن مشاعرهم المختلفة من شوق ووجد وإعجاب وتأمل لكل مكان جديد ينقلوا إليه.
شعر سفر مكتوب وطويل
نذكر بعض من أجمل ما قيل من أبيات من شعر سفر للشاعر محمود درويش:
“لم يعرفوني في الظلال التي
تمتصُّ لوني في جواز السفرْ
وكان جرحي عندهم معرضاً
لسائح يعشق جمع الصور
لم يعرفوني، آه… لا تتركي
كفي بلا شمسٍ،
لأن الشجر
يعرفني…
تعرفني كل أغاني المطر
لا تتركيني شاحباً كالقمر!
كلُّ العصافير التي لاحقتْ
كفى على باب المطار البعيد
كل حقول القمح،
كل السجونِ،
كل القبور البيض
كل الحدودِ،
ل المناديل التي لوَحتْ ،
كل العيونِ
كانت معي ، لكنهم
قد أسقطوها من جواز السفر!
عارٍ من الاسم، من الانتماءْ ؟
في تربة ربَّيتها باليدينْ؟
أيوب صاح اليوم ملء السماء:
لا تجعلوني عبرة مرتين!
يا سادتي! يا سادتي الأنبياء
لا تسألوا الأشجار عن اسمها
لا تسألوا الوديان عن أُمها
من جبهتي ينشق سيف الضياء
ومن يدي ينبع ماء النهر
كل قلوب الناس… جنسيتي
فلتسقطوا عني جواز السفر!”
اقرأ أيضًا: شعر عن الرجولة والسماحة
شعر سفر قصير
ذكر الشعراء العديد من القصائد حول شعر سفر مكتوب وطويل يوجد شعر سفر قصير نذكر منها بعض الأبيات التالية:
- فإِن قيلَ في الأسفارِ ذلٌ ومحنةٌ وقطعُ الفيافي وارتكابُ الشدائدِ
فموتُ الفتى خيرٌ له من قيامِه بدارِ هوانٍ بين واشٍ وحاسدِ
- تَبَـدَّت لَنَا وَسْطَ الرُّصافَةِ نَخْـلةٌ تَنَاءت بأرضِ الغَرْبِ عن بَلَدِ النَّخْل
فقُلـتُ شَبِيهي في التَغَرُّبِ والنَّوَى وطُولِ التَّنَائي عن بَنِيّ وعن أهلي
- نشَأتِ بأرضٍ أنتِ فيها غَريبةٌ فمِثْلُكِ في الإقصاء والمُنْتأى مثلي
سَقَاكِ غَوَادِي المُزْنِ مِن صوبها الذي يَسُحُّ ويستمرِي السِّماكَين بالوّبْلِ
شعراء السفر البارزون في التراث الأدبي العربي
يوجد العديد من الشعراء البارزين في التراث الأدبي العربي ولهم قصائد عظيمة حول شعر سفر مكتوب وطويل نذكر من بينهم:
- المتنبي وأبو فراس الحمداني رحلاتهم وتجاربهم أثرت في شعرهما بشكل كبير.
- ابن زيدون الذي عبر عن مشاعر الحنين خلال سفره إلى المغرب.
- ابن بطوطة حيث وصف رحلاته الواسعة عبر العالم الإسلامي في “رحلة ابن بطوطة”.
مشاهد خلابة في شعر السفر
يرسم شعراء العرب بالكلمات من خلال قصائدهم صور شعر سفر مكتوب وطويل جميلة تحتوي على:
- وصف الطبيعة الساحرة والمشاهد الخلابة التي مر عليها الشاعر خلال الترحال كالصحراء والبحر والجبال.
- يمكن للشاعر من خلال الكلمات عمل تصوير جميل لكل لحظات السكينة والراحة في المنازل البدوية أثناء الرحلة.
الطبيعة والحياة البدوية في قصائد الترحال
الشعر البدوي يحتل مكانة مرموقة في التراث الشعري العربي، هذا النوع من الشعر يشغل اهتمام الشعراء عبر العصور، فمن النادر أن تجد شعر سفر مكتوب وطويل في قصيدة بدوية لا تكون مرتبطة بمناسبة معينة، وغالبًا ما تتخلل هذه القصائد أبيات من القصائد الغزلية للعرب البدو، ويمكن إيضاح ذلك في المقطع التالي:
جننت بكِ ومال القلب من عقل
يُصارع عطف قلبي فيما أهواه
بليت بها دهراً لست أحسبه
قد ينتهي يوماً حين ألقاه
صوت الأسى في داخلي
إن زدّت قل
كم قالت الأنغام حيراً
في محياه
وكم قالت الأشعار فيك تفرد
وكم ردد السامعون!.. الله”
مشاعر الشوق والحنين في شعر السفر
نذكر شعر سفر مكتوب وطويل من ابيات أبو القاسم الشابي عندما ذهب إلى مصر وهو في الثانية والعشرين من عمره ليتلقى العلم في الجامع الأزهر في القاهرة، وذكر في قصيدته:
“يَنْقَضِي العَيْشُ بَيْنَ شَوْقٍ وَيَأْسِ والمُنَى بَيْنَ لَوْعةٍ وَتَأَسِّ
هذه سُنَّة ُ الحياة ، ونفسي لا تَوَدُّ الرَّحيقَ فِي كَأْسِ رِجْسِ
مُلِىء الدهر بالخداعِ، فكم قد ضلَّلَ الناسَ من إمام وقَسِّ
كلَّما أَسْأَلُ الحياة َ عَنِ الحقِّ تكُفُّ الحياة ُ عن كل هَمْسِ
لمْ أجِدْ في الحياة ِ لحناً بديعاً يَسْتَبِيني سِوى سَكِينَة ِ نَفْسي
فَسَئِمْتُ الحياة َ، إلا غِرَاراً تتلاشى بِهِ أَناشِيدُ يَأْسِي
ناولتني الحياة ُ كأساً دِهاقاً بالأماني، فما تناولْتُ كأسِي
وسقتْني من التعاسَة أكواباً تجرعْتُها، فيأشدّ تُعْسي
إنّ في روضة ِ الحياة ِ لأشواكاً بها مُزِّقتْ زَنابِقُ نفسي
ضَاعَ أمسي! وأينَ مِنِّي أَمْسِي؟ وقضى الدهرُ أن أعيش بيأسي
وقضى الحبُّ في سكون مريعٍ سَاعَة َ الموتِ بين سُخْط وَبُؤْسِ”
تطور أساليب التصوير في شعر السفر عبر العصور
يمكن تلخيص تطور أساليب التصوير في شعر سفر مكتوب وطويل عبر العصور فيما يلي:
- في العصور القديمة كان شعر السفر يركز على الوصف الحسي للأماكن والطبيعة التي يشاهدها الشاعر، كان الشعراء يستخدمون صورًا حسية وتشبيهات لإبراز المناظر الطبيعية والمعالم الجغرافية التي شاهدوها في رحلاتهم.
- في العصور الوسطى ظهر شعر الحج إلى الأماكن المقدسة كالقدس والحج إلى مكة، وقد استخدم الشعراء في هذه المرحلة الصور الرمزية والأساطير الدينية لوصف تجربتهم الروحية في هذه الرحلات.
- في العصر الحديث تطورت أساليب التصوير في شعر السفر لتشمل الجوانب الوجدانية والفكرية للرحلات، فأصبح الشعراء يركزون على تأثير السفر على نفسية الشاعر أفكاره وتأملاته، واستخدام أساليب أكثر تعبيرية لنقل تجربتهم.
قد يفيدك: شعر عن الشوق واللهفة والحنين
أجواء السفر في شعر المتنبي
- إن شعر سفر مكتوب وطويل عند شاعر مثل المتنبي يحتل مكانة مهمة ويعكس أجواءً فريدة، فالمتنبي كان شاعرًا رحالة ولقد سافر كثيرًا في رحلات متعددة، وكان هذا السفر يشكل موضوعًا أساسيًّا في شعره.
- نجد أجواء السفر تتميز بالشعور بالحرية والانطلاق حيث يصور المتنبي السفر كفرصة للخلاص من قيود المكان والزمان، والانطلاق نحو آفاق جديدة، كما يتميز شعر المتنبي بملاحظة دقيقة للتفاصيل والظواهر الطبيعية والبيئية أثناء الرحلات، مما يثري تجربته الشعرية.
- يصور المتنبي نفسه في أشعار السفر كشخصية شجاعة ، تواجه المخاطر والصعاب بحماس وعزيمة، ويربط المتنبي في بعض قصائده السفر بالبعد الروحي ويتأمل في ظواهر الطبيعة و يستلهم منها معاني فلسفية وإنسانية.
- قصائد المتنبي تتضمن إحساس بالحنين والشوق إلى الأوطان و الأماكن المألوفة، في مقابل اندهاشه واستمتاعه بالمناظر
شعر سفر مكتوب وطويل يعد إرث ثري في الأدب العربي، حيث عبر الشعراء بطريقة مبدعة عن تجاربهم المختلفة في الترحال، كما أن هذا النوع من الشعر يجمع بين الوصف الحسي للطبيعة والمناظر الخلابة، وبين البعد الروحي والفلسفي للتأمل في الحياة.
ما أروع ما قيل في السفر؟
قيل الكثير من الأقوال الرائعة في السفر، والمعبرة عنه، ونذكر من أجمل ما قيل عنه:
“السفر هو التحرر من الأغلال، والعيش في مساحات واسعة، والسير في طرق لا نهاية لها.” – جبران خليل جبران-
كيف أعبر عن السفر؟
إن السفر هو تجربة تغير النفس وتوسع الأفق، فهو ليس مجرد تنقل من مكان لآخر، بل هو رحلة روحية وفكرية تثري الإنسان وتفتح له آفاقاً جديدة للنظر إلى العالم، ويمكن أن أعبر عن السفر كما جاء من قول مايا أنجيلو “السفر هو فرصة للنمو والاكتشاف والتغير.”
ماذا قال محمود درويش عن السفر؟
عبر الشاعر الفلسطيني محمود درويش عن السفر قائلاً:
“السفر ليس هروباً، إنه البحث عن الذات والعالم، إنه الانطلاق نحو المجهول، لكشف ما هو كامن في الداخل والخارج.”