إن ما يعين المؤمن على الرضا والتسليم هو الإيمان بأن تدبير الله للعبد خير من تدبير وترتيب العبد لنفسه وإن نتيجة التدبير غيب لا يعلمه إلا الله، فمن الخير أن يرضى العبد بتدبيرات الله الذي هو أرحم عليه من نفسه وقوله تعالى وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم (Perhaps you hate something and it is good for you) جزء من الآية رقم 216 من سورة البقرة يحمل معاني كثيرة تتعلق بحكمة الله في تيسير شؤون العباد وأن ما نكرهه من الأمور ربما يكون فيه الكثير من الخير، وذكرت الكثير من التفسيرات لابن القيم وابن كثير والقرطبي وغيرهم من الأئمة الأفاضل عن لمعنى الآية الكريمة وأسرارها في الحياة الدنيا والآخرة يمكنك الاطلاع عليها تفصيلاً بمتابعة السطور التالية.
معنى وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم
تعني إن الإنسان قد يحدث له قدر مؤلم كثيرًا او مصيبة مفجعة مما يسبب الحزن والجزع وربما يظن الإنسان أن هذا القدر هو نهايته وإنها ضربة قاضية له ومحط انتهاء حياته ولكن الحقيقة أن هذا القدر يكون منحة ولكن على شكل محنة أو عطاء ولكنه على هيئة بلاء وفائدة لإنسان كان يظنها مصيبة، والعكس من ذلك فقد يسعى الإنسان للحصول على شيء يظنه خيرًا له إلا أنه في حقيقة الأمر يكون بدايةً لبلاء عظيم.
تفسير ابن كثير لآية 216 من سورة البقرة
جاء بتفسير ابن كثير عن الآية رقم 216 من سورة البقرة في قوله تعالى ( وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم) أن القتال سيأتي بعده النصر العظيم والظفر على الأعداء، ( وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم) هذا المعنى عام في تفسيره وينطبق على جميع أمور الحياة فقد يحب الإنسان شيئًا إلا أنه لا يحمل الخير له أو المصلحة وعن الآية الكريمة فإن القعود عن القتال أيضًا وعدم الجهاد يعطي للعدو فرصة في الاستيلاء على البلاد.
تفسير القرطبي للآية وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم
- قال القرطبي في تفسير معنى الآية الكريمة أنه لا يجدر بالمرء كره الملمات الواقعة فربما يكون أمر تكره فيه نجاتك وربما أمر تحبه وتفضله وتتمناه إلا أن فيه عطبك.
تفسير ابن القيم لقول الله وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم
ذكر ابن القيم في تفسير قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [سورة البقرة: 216] وقوله: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [سورة النساء: 19]
قال ابن القيم رحمه الله أن مفاد الآية الأولى للجهاد الذي يعبر عن كمال القوة، أما الآية الثانية عن النكاح وما يعبر عنه من اكتمال الشهوة، معنى ذلك أن الإنسان يكره مواجهة العدو الغاضب لخوفه على نفسه منه، إلا أن القتال والمواجهة في هذه اللحظة خير له في الحياة والآخرة.
وعن الآية 19 من سورة النساء أن الإنسان يحب الموادعة والمشاركة، وربما يكون هذا شر له في الحياة والآخرة، وأحيانًا يكره المرأة لصفة من صفاتها، وفي وجوده معها خيرًا كثيرًا لا يعلمه، ويحب امرأة محددة لصفة من صفاتها إلا أن وجوده معها قد يكون شرًا حتميًا له لا يعلم عنه شيئًا.
تفسير ابن عاشور لقوله تعالى وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم
إذا كانت الآية الكريمة تتحدث عن تشريعات مضت فإن جملة (وهو كره ) تعبر عن حالة سابقة عندما كان المسلمون قلة أمام الأعداء وكان القتال شاق عليهم فكان الفرد الواحد ثابت أمام عشرة من المشركين وهذا كان أحد الأشياء التي توجب عليهم الكراهية على ذلك لا يلزم أن تكون الكراهية التي تتحدث عنها الاية الكريمة باقية وقت نزولها فمن المحتمل أن يكون مفادها صلح الحديبية عندما كانوا المسلمون كارهون للصلح ومحبين للقتال.
ففي هذا الوقت كان عددهم كبير بما يكفي للقيام بمهام ومشقات القتال وهذه الآية كانت تذكير لهم بأن الله هو الذي يعلم مصلحة العباد لذلك أوجب عليهم القتال حين كانوا قلة وكانوا يشعرون بالكراهية تجاه مشقة القتال في حين أنه سبحانه وتعالى أوجب عليهم الالتزام بالصلح على الرغم من أنهم أحبوا القتال وكان المقصود من قوله تعالى في الآية( وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرًا لكم) أن تطمئن أنفس المسلمين بأن الصلح الذين يكرهونه سيكون خيرًا لهم.
من أسرار قوله تعالى وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم
الخطاب في الآية الكريمة موجه للمسلمين والأعداء المشركين الذين خالفوا أوامر الدين وتسببوا بأذى كبير للرسول محمد عليه الصلاة والسلام وهذه الآية جاءت في القتال الذي هو من أفعال الجهاد ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان غير مأمور بالقتال ببداية ظهور الإسلام ونشر الدعوة لكن أذن له به في قوله تعالى ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) (سورة الحج- آية 29) وبعدها نزلت آية القتال في قوله تعالى ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) ( سورة البقرة- آية 190).
وعندما نزل المسلمين إلى القتال واشتدت مواجهتهم للأعداء وكانوا يكرهون القتال نزلت الآية الكريمة (وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم) ( سورة البقرة- آية 216) ومفادها أن في القتال غنيمة وشهادة وظهور، أما القعود يعني أن لا تصيبوا شيئًا أ تظهروا على المشركين أو تستشهدوا في سبيل الله، والكره والمشقة في الآية الكريمة مرغوب به لأنه مقرون بإرادة ورغبة قوية لما يترتب عليه من فوائد عظيمة وثمار وثواب.
إلا أن القتال الذي أمر الله به المسلمون شاق عليهم لأنه يسبب أعباء كثيرة ومشقات وفيه بذل كثير للأرواح والأموال إلا أن هذه الكراهة التي تبدو طبيعية لا تتعارض مع فكرة الرضا بالتكليف فقد يرضى الإنسان بالمشقة والتعب لما بها من نفع وخير، والصحابة رضوان الله عليهم لا يعترضون على التكليف إنما هم كارهون للفعل ذاته لما فيه خسارة فأكثر التكليف لا يخلو من التعب والألم والمشقة.
أقرأ المزيد
أفضل 150دعاء صباح الخير لا تفوته كل صباح
بوستات دعاء للميت يوم الجمعة قصيرة ومؤثرة
مقتطفات في تفسير الآية 216 من سورة البقرة
- قال أبو حمزة الكنعاني في تفسير الآية الكريمة أن الله هو العليم الحكيم اطمئن فإن العليم أعلم بما يصلح لك.
- نايف الفيصل يقول بتوضيح معنى وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم، أن كم من مصيبة تسبب الحزن للعبد وتجزعه لكن بعد مدة من الزمن يعرف أنها كانت تحمل الخير له بوقوعها.
- يقول سعود الشريم أن الأمة تستزيد ما أصابها إلا أن الله أوقع البلاء عليها حتى يدرك الجميع أن الخير في هذا الابتلاء وأن هذا الخير أكثر من هذا البلاء الذي وقع.
- جاء تفسير عبدالله بالقاسم موضحًا أن قوله عسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون، تعني أن اليقين بالله ألا تتمنى شيء غير الذي قدره الله أو كتبه عليك.
مفاد القول أن قوله وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم أنه إذا فوض العبد أمره لربه ورضي بما قسمه الله له فالله يمده بالخير فيما اختاره له تثبيتًا لقوته وعزيمته وصبره على تحمل البلاء والله تعالى أعلى وأعلم.